التراشق بالكلمات

الطاهر الطويل

ما إن انخرط بعض الشباب العرب في منتدى للنقاش على شبكة الإنترنت، حتى انحرف الحوار عن مجراه الطبيعي الذي بدأ به، فصار المتحاورون يبادلون التهم والأوصاف القدحية فيما بينهم، فهذا ينعت أبناء ذلك البلد بالتزمت والتخلف، فيرد عليه آخر بالقول: “أنتم لا هــمّ لكم سوى الجري وراء الشهوات”، وثالث يدخل على الخط لينعت الكل بالرجعية وبكراهية الشعوب الأخرى… وانتهى الحوار بالتراشق بالألفاظ البذيئة التي يعافها الذوق السليم والأخلاق الحميدة.

هناك ظاهرة ملازمة للعديد من الشعوب العربية، وهي أن أبناء بلد ما متعصبون لقطريتهم ويعتقدون أنفسهم أفضل من غيرهم، وبالتالي لا يترددون في إلصاق صفات ذميمة بأهالي بلد آخر، فهم ــ في نظرهم ــ إما بلداء وأغبياء أو انطوائيون وبخلاء ويرفضون الغريب عنهم. وحين يقال لأحدهم “أنت منحل أخلاقيا”، يجابهه الآخر بالقول: “بل أنت المليء بالعقد ومركبات النقص”. والأغرب من ذلك أن نجد هذه الظاهرة حتى داخل البلد الواحد، حيث يسود منطق قبلي وعشائري، ويتربى العديد من أبناء كل إقليم على السخرية من مواطنيهم الآخرين، ويتلقون ذلك من آبائهم وجيرانهم وأصدقائهم، ويتحول الأمر إلى تداول نكات تهزأ بأخلاق الآخرين وتصرفاتهم، فيها كثير من التجني أكثر مما تتضمن حقيقة الأمور.

وقد نهانا المولى عز وجل عن مثل هذا السلوك، حين قال في كتابه الحكيم: “يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” (سورة الحجرات الآية 11).

فمن المسلم به أن البشر ناقصون، لأن الكمال من صفات الخالق عز وجل، وحين يشير امرؤ بالسوء وبالعبارات النابية تجاه غيره من الناس، فإنه ينسى أنه هو نفسه لا يخلو من عيب ومذمة. ولعله في ذلك يستحضر قول الشاعر المعتد بنفسه لدرجة الغرور:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص     فهي الشهادة لي بأني كامل

وهناك مسلمة أخرى، تتمثل في أنه من غير الجائز إلصاق صفات محددة بشعب ما أو بقبيلة معينة أو بسكان إقليم بعينه، سواء كانت حسنة أو قبيحة، كأن يقال إنهم بخلاء أو العكس صحيح، فالأخلاق ليست صفة لصيقة بكتلة بشرية ما، لأن الناس غير متجانسين، فقد تجد داخل الكتل الواحدة الفعل ونقيضه والصفة وضدها. هذه الملاحظة لا تسري فحسب على طائفة سواء كثر عددها أو قلّ، بل إنها تنطبق حتى على الأسرة الواحدة، إذ نجد أبناء خرجوا من رحم واحد، ولكنهم يكونون مختلفي الطباع، ولنا في قصة بني آدم قابيل وهابيل خير مثال.

نخلص إذن إلى القول إن الصفات البشرية مسألة نسبية، ولا يمكن تعميمها على أكثر من شخص.

ذات صلة